عدد الرسائل : 1806 العمر : 35 <font color=\"#CD3700\" >المؤهل العلمي :< : > ثانوي .. و متابع > : > : تاريخ التسجيل : 20/08/2008
موضوع: رد: مصطفى محمود - حوار مع صديقي الملحد الإثنين سبتمبر 15, 2008 10:24 pm
23
الفصل السابع
هل الدين أفيون؟
قال لي صاحبي الدكتور وهو يغمز بعينيه: وما رأيك في الذين يقولون أن الدين افيون!! وأنه يخدر الفقراء والمظلومين ليناموا على ظلمهم وفقرهم ويحلموا بالجنة والحور العين، في حين يثبت الاغنياء على غناهم باعتبار انه حق، وان الله خلق الناس درجات؟
وما رأيك في الذين يقولون أن الدين لم ينزل من عند الله، وانما هو طلع من الارض من الظروف والدواعي الاجتماعية ليكون سلاحاً لطبقة على طبقة؟
وهو يشير بذلك إلى الماديين وافكارهم
قلت: ليس أبعد من الخطأ القائل بأن الدين أفيون، فالدين في حقيقته أعباء وتكاليف وتبعات، وليس تخفيفاً وتحللاً، وبالتالي ليس مهرباً من المسئوليات وليس أفيوناً، وديننا عمل وليس كسل
{ وقل اعملوا فسيرى الله عملكم }
ونحن نقول بالتوكل وليس التواكل، والتوكل يقتضي عندنا العزم واستفراغ الوسع وبذل غاية الطاقة والحيلة، ثم التسليم بعد ذلك لقضاء الله وحكمه.
Muhammad 2024 > مسافر بالشبح <
عدد الرسائل : 1806 العمر : 35 <font color=\"#CD3700\" >المؤهل العلمي :< : > ثانوي .. و متابع > : > : تاريخ التسجيل : 20/08/2008
موضوع: رد: مصطفى محمود - حوار مع صديقي الملحد الإثنين سبتمبر 15, 2008 10:39 pm
24
{ فاذا عزمت فتوكل على الله } العزم أولاً ...
والنبي يقول لمن أراد أن يترك ناقته سائبة توكلاً على حفظ الله (اعقلها وتوكل) أي ابذل وسعك أولا فثبتها في عقالها ثم توكل، والدين صحو وانتباه ويقظة ومحاسبة للنفس ومراقبة للضمير، في كل فعل وفي كل كلمة وكل خاطر، وليس هذا حال أكل الافيون.
إنما أكل الأفيون الحقيقي، هو المادي الذي ينكر الدين هرباً من تبعاته ومسؤولياته، ويتصور أن لحظته ملكه، وأنه لاحسيب ولا رقيب ولا بعث بعد الموت، فيفعل ما يخطر على باله، وأين هذا الرجل من المتدين المسلم الذي يعتبر نفسه مسؤولاً عن سابع جار، وإذا جاع فرد في أمته أو ضربت دابة عاتب نفسه بأنه لم يقم بواجب الدين في عنقه؟
وليس صحيحاً أن ديننا خرج من الارض، من الظروف والدواعي الاجتماعية ليكون سلاحاً لطبقة على طبقة وتثبيتاً لغنى الاغنياء وفقر الفقراء، والعكس هو الصحيح، فالاسلام جاء ثورة على الاغنياء والكانزين المال والمستغلين الظالمين، فامر صراحة بألا يكون المال دولة بين الاغنياء يحتكرونه ويتداولونه بينهم، وإنما يكون حقاً للكل.
{ والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم }
والانفاق يبدأ من زكاة إجبارية (2،5) في المائة، ثم يتصاعد اختيارياً إلى كل ما في الجيب وكل ما في اليد، فلا تبقي لنفسك إلا خبزك كفافك.
{ يسألونك ماذا ينفقون قل العفو }
والعفو هو كل ما زاد على الكفاف والحاجة، وبهذا جمع الاسلام بين التكليف الجبري القانوني والتكليف الاختياري القائم على الضمير، وهذا أكرم للانسان من نزع أملاكه بالقهر والمصادرة، ووصل إلى الانفاق إلى ما فوق التسعين في المائة بدون ارهاق.
ولم يأت الاسلام ليثبت ظلم الظالمين بل جاء ثورة صريحة على كل الظالمين، وجاء سيفاً وحرباً على رقاب الطواغين والمستبدين.
أما التهمة التي يسوقها الماديون بأن الدين رجعي وطبقي بدليل الآيات:
{ والله فضل بعضكم على بعض في الرزق } { ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات }
فنحن نرد بأن هذه الايات تنطبق على لندن وباريس وبرلين وموسكو، بمثل ما تنطبق على القاهرة ودمشق وجدة، وإذا مشينا في شوارع موسكو فسوف
Muhammad 2024 > مسافر بالشبح <
عدد الرسائل : 1806 العمر : 35 <font color=\"#CD3700\" >المؤهل العلمي :< : > ثانوي .. و متابع > : > : تاريخ التسجيل : 20/08/2008
موضوع: رد: مصطفى محمود - حوار مع صديقي الملحد الإثنين سبتمبر 15, 2008 10:45 pm
25
نجد من يسير على رجليه ومن يركب بسكليت ومن يركب عربة موسكوفتش ومن يركب عربة زيم فاخرة.
وماذا يكون هذا إلا التفاضل في الرزق بعينه والدرجات والرتب الاقتصادية، والتفاوت بين الناس حقيقة جوهرية، ولم تستطع الشيوعية أن تلغي التفاوت، ولم يقل حتى غلاة المادية والفوضوية بالمساواة.
والمساواة غير ممكنة فكيف نساوي بين غير متساويين؟ الناس يولدون من لحظة الميلاد غير متساوين في الذكاء والقوة والجمال والمواهب، يولدون درجات في كل شيء.
وأقصى ما طمعت فيه المذاهب الاقتصادية هي المساواة في الفرص وليس المساواة بين الناس، أن يلقى كل واحد نفس الفرصة في التعليم والعلاج والحد الادنى للمعيشة، وهو نفس ما تحض عليه الاديان.
أما إلغاء الدرجات وإلغاء التفاوت فهو الظلم بعينه والامر الذي ينافي الطبيعة، والطبيعة تقوم كلها على أساس التفاضل والتفاوت والتنوع في ثمار الارض وفي البهائم وفي الناس، في القطن نجد طويل التيلة وقصير التيلة، وفي الحيوان والانسان نجد الرتب والدرجات والتفاوت اكثر، هذا هو قانون الوجود كله، التفاضل.
وحكمة هذا القانون واضحة، فلو كان جميع الناس يولدون بخلقة واحدة وقالب واحد ونسخة واحدة، لما كان هناك داع لميلادهم أصلاً، وكان يكفي ان نأتي بنسخة واحدة فتغني عن الكل، وكذلك الحال في كل شيء، ولانتهى الأمر إلى فقر الطبيعة وافلاسها.
وإنما غنى الطبيعة وخصبها لا يظهر الا بالتنوع في ثمارها وغلاتها والتفاوت في الوانها واصنافها، ومع ذلك فالدين لم يسكت على هذا التفاوت بين الاغنياء والفقراء، بل أمر بتصحيح الاوضاع وجعل للفقير نصيباً من مال الغني، وقال أن هذا التفاوت فتنة وامتحان.
{ وجعلنا بعضكم لبعض فتنة اتصبرون }
سوف نرى ماذا يفعل القوي بقوته، هل ينجد بها الضعفاء أو يضرب ويقتل ويكون جباراً في الارض؟ وسوف نرى ماذا يفعل الغني بغناه، هل يسرف ويطغى أم يعطف ويحسن؟ وسوف نرى ماذا يفعل الفقير بفقره، هل يحسد ويحقد ويسرق ويختلس، أو يعمل ويكد ويجتهد ليرفع مستوى معيشته بالشرع والعدل؟
وقد أمر الدين بالعدل وتصحيح الاوضاع بالمساواة بين الفرص، وهدد بعذاب الآخرة وقال أن الآخرة ستكون أيضاً درجات اكثر تفاوتاً لتصحيح ما لم يجر تصحيحه في الارض.
Muhammad 2024 > مسافر بالشبح <
عدد الرسائل : 1806 العمر : 35 <font color=\"#CD3700\" >المؤهل العلمي :< : > ثانوي .. و متابع > : > : تاريخ التسجيل : 20/08/2008
موضوع: رد: مصطفى محمود - حوار مع صديقي الملحد الإثنين سبتمبر 15, 2008 10:49 pm
26
{ وللاخرة اكبر درجات واكبر تفضيلا }
وللذين يتهمون الإسلام بالرجعية السياسية نقول إن الإسلام أتى بأكثر الشرائع تقدمية في نظم الحكم، احترام الفرد في الإسلام بلغ الذروة، وسبق ميثاق حقوق الإنسان وتفوق عليه، فماذا يساوي الفرد الواحد في الإسلام؟ إنه يساوي الإنسانية كلها.
{ من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا }
لا تغني المنجزات ولا الإصلاحات المادية ولا التعمير ولا السدود ولا المصانع إذا قتل الحاكم فرداً واحداً ظلماً في سبيل هذا الإصلاح، فإنه يكون قد قتل الناس جميعاً.
ذروة في احترام الفرد لم يصل إليها مذهب سياسي قديم أو جديد، فالفرد في الإسلام له قيمة مطلقة بينما في كل المذاهب السياسية له قيمة نسبية، والفرد في الإسلام آمن في بيته وفي أسراره "لا تجسس ولا غيبة" آمن في ماله ورزقه وملكيته وحريته.
كل شيء حتى التحية حتى إفساح المجلس حتى الكلمة الطيبة لها مكان في القرآن، وقد نهى القرآن عن التجبر والطغيان والإنفراد بالحكم، وقال الله للنبي وهو من هو في كماله وصلاحيته:
{ وما أنت عليهم بجبار } { فذكر إنما أنت مذكر .. لست عليهم بمسيطر }
{ إنما المؤمنون إخوة }
ونهى عن عبادة الحاكم وتأليه العظيم:
{ لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله }
{ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه }
ونهى عن الغوغائية وتملق الدهماء والسوقة والجري وراء الأغلبية المضللة وقال:
{ بل أكثر الناس لا يعلمون } { بل أكثرهم لا يعقلون } { أكثر الناس لا يؤمنون } { إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون } "يكذبون"
{ إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل }
Muhammad 2024 > مسافر بالشبح <
عدد الرسائل : 1806 العمر : 35 <font color=\"#CD3700\" >المؤهل العلمي :< : > ثانوي .. و متابع > : > : تاريخ التسجيل : 20/08/2008
موضوع: رد: مصطفى محمود - حوار مع صديقي الملحد الإثنين سبتمبر 15, 2008 10:51 pm
ونهى عن العنصرية والعرقية:
{ إن أكرمكم عند الله أتقاكم } { هو الذي خلقكم من نفس واحدة }
وبالمعنى العلمي كان الإسلام تركيباً جدلياً جامعاً بين مادية اليهودية وروحانية المسيحية، بين العدل الصارم الجاف الذي يقول: السن بالسن والعين بالعين، وبين المحبة والتسامح المتطرف الذي يقول: من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر.
وجاء القرآن وسطاً بين التوراة التي حرفت حتى أصبحت كتاباً مادياً ليس فيه حرف واحد عن الآخرة، وبين الإنجيل الذي مال إلى رهبانية تامة، ونادى القرآن بناموس الرحمة الجامع بين العدل والمحبة فقال بشرعية الدفاع عن النفس ولكنه فضل العفو والصفح والمغفرة.
{ ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور }
وإذا كانت الرأسمالية أطلقت للفرد حرية الكسب إلى درجة استغلال الآخرين، وإذا كانت الشيوعية سحقت هذه الحرية تماماً، فإن الإسلام قدم الحل الوسط.
{ للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن }
الفرد حر في الكسب ولكن ليس له أن يأخذ ثمرة أرباحه كلها، وإنما له فيها نصيب، وللفقير نصيب يؤخذ زكاة وإنفاقا من 2.5 في المائة إلى 90% جبراً واختياراً، وهذا النصيب ليس تصدقاً وتفضلاً وإنما هو حق الله في الربح، وبهذه المعادلة الجميلة حفظ الإسلام للفرد حريته وللفقير حقه، ولهذا أصاب القرآن كل الصواب حينما خاطب أمة الإسلام قائلاً:
{ وكذلك جعلناكم أمة وسطا }
فقد اختار الإسلام الوسط العدل في كل شيء، وهو ليس الوسط الحسابي وإنما الوسط الجدلي أو التركيب الذي يجمع النقيضين "اليمين واليسار" ويتجاوزهما ويزيد عليهما، ولذلك ليس في الإسلام يمين ويسار وإنما فيه "صراط" الاعتدال الوسط الذي نسميه الصراط المستقيم من خارج عنه باليمين أو اليسار فقد انحرف.
ولم يقيدنا القرآن بدستور سياسي محدد أو منهج مفصل للحكم لعلم الله بأن الظروف تتغير بما يقتضي الاجتهاد في وضع دساتير متغيرة في الأزمنة المتغيرة، وحتى يكون الباب مفتوحاً أمام المسلمين للأخذ والعطاء من المعارف المتاحة في كل عصر دون انغلاق على دستور بعينه.
Muhammad 2024 > مسافر بالشبح <
عدد الرسائل : 1806 العمر : 35 <font color=\"#CD3700\" >المؤهل العلمي :< : > ثانوي .. و متابع > : > : تاريخ التسجيل : 20/08/2008
موضوع: رد: مصطفى محمود - حوار مع صديقي الملحد الإثنين سبتمبر 15, 2008 10:51 pm
28
ولهذا اكتفى القرآن بهذه التوصيات السياسية العامة السالفة كخصائص للحكم الأمثل، ولم يكبلنا بنظرية وهذا سر من أسرار إعجازه وتفوقه وليس فقراً ولا نقصاً فيه، وتلك لمسة أخرى من تقديمة القرآن التي سبقت كل التقديمات.
ونرد على القائلين بأن الدين جمود وتحجر، بأن الإسلام لم يكن أبداً دين تجمد وتحجر وإنما كان دائماً وأبداً دين نظر وفكر وتطوير وتغيير بدليل آياته الصريحة.
{ قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق }
{ فلينظر الإنسان مم خلق . خلق من ماء دافق . يخرج من بين الصلب والترائب } { أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت }
أوامر صريحة بالنظر في خلق الإنسان وفي خلق الحيوان وفي خلق الجبال وفي طبقات الأرض وفي السماء وأفلاكها، والتشريح والفسيولوجيا والبيولوجيا وعلم الأجنة.
أوامر صريحة بالسير في الأرض وجمع الشواهد واستنباط الأحكام والقوانين ومعرفة كيف بدأ الخلق، وهو ما نعرفه الآن بعلوم التطور.
ولا خوف من الخطأ، فالإسلام يكافئ الذي يجتهد ويخطئ بأجر والذي يجتهد ويصيب بأجرين، وليس صحيحاً ما يقال من أننا تخلفنا بالدين وتدمر الغرب بالإلحاد، والحق أننا تخلفنا حينما هجرنا أوامر ديننا.
وحينما كان المسلمون يأتمرون بهذه الآيات حقاً كان هناك تقدم وكانت هناك دولة من المحيط إلى الخليج وعلماء مثل ابن سينا في الطب وابن رشد في الفلسفة وابن الهيثم في الرياضيات وابن النفيس في التشريح وجابر بن حيان في الكيمياء، وكانت الدنيا تأخذ عنا علومنا، وما زالت مجمعات النجوم وأبراجها تحتفظ إلى الآن بأسمائها العربية في المعاجم الأوروبية، وما زالوا يسمون جهاز التقطير بالفرنسية imbique ومنه الفعل من كلمة أمبيق العربية imbiquer ولم يتقدم الغرب بالإلحاد بل بالعلم.
وإنما وقع الخلط مما حدث في العصور الوسطى من طغيان الكنيسة ومحاكم التفتيش وحجرها على العلم والعلماء وما حدث من سجن غاليليو وحرق جيوردانو برونو، حينما حكمت الكنيسة وانحرف بها البابوات عن أهدافها النبيلة فكانت عنصر تأخر، فتصور النقاد السطحيون أن هذا ينسحب أيضا على الإسلام وهو خطأ، فالإسلام ليس بابوية ولا كهنوت، الله لم يقم بينه وبين المسلمين أوصياء ولا وسطاء.
وحينما حكم الإسلا بالفعل كان عنصر تقدم كما شرحنا وكما يقول التاريخ
Muhammad 2024 > مسافر بالشبح <
عدد الرسائل : 1806 العمر : 35 <font color=\"#CD3700\" >المؤهل العلمي :< : > ثانوي .. و متابع > : > : تاريخ التسجيل : 20/08/2008
موضوع: رد: مصطفى محمود - حوار مع صديقي الملحد الإثنين سبتمبر 15, 2008 10:52 pm
29
مكذباً هذه المزاعم السطحية، وآيات القرآن الصريحة تحض على العلم وتأمر بالعلم ولا تقيم بين العلم والدين أي تناقض:
{ وقل رب زدني علما } { هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون }
{ شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم }
جعل الله الملائكة وأولي العلم في الآية مقترنين بشرف اسمه ونسبته، وأول آية في القران وأول كلمة كانت "اقرأ" والعلماء في القرآن موعودون بأرفع الدرجات.
{ يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات }
وتتكرر كلمة العلم ومشتقاته في القرآن نحواً من ثمانمائة وخمسين مرة، فكيف يتكلم بعد هذا متكلم عن تناقض بين الدين والعلم أو حجر من الدين على العلم، والنظر في الدين وتطوير فهمه مطلوب، وتاريخ الإسلام كله حركات إحياء وتطوير، والقرآن بريء من تهمة التحجير على الناس وكل شيء في ديننا يقبل التطوير، ما عدا جوهر العقيدة وصلب الشريعة، لأن الله واحد ولن يتطور إلى اثنين أو ثلاثة، هذا أمر مطلق، وكذلك الشر شر والخير خير، لن يصبح القتل فضيلة ولا السرقة حسنة ولا الكذب حلية يتحلى بها الصالحون، وفيما عدا ذلك فالدين مفتوح للفكر والاجتهاد والإضافة والتطوير، وجوهر الإسلام عقلاني منطقي يقبل الجدل والحوار ويحض على استخدام العقل والمنطق.
وفي أكثر من مكان وفي أكثر من صفحة في القرآن نعثر على التساؤل "أفلا يعقلون" .. " أفلا يفقهون "، وأهل الدين عندنا هم "أولو الألباب".
{ شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون } { أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها }
احترام العقل في لب وصميم الديانة، والإيجابية عصبها والثورة روحها، لم يكن الإسلام أبداً خانعاً ولا سلبياً.
{ وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم } { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص }
والجهاد بالنفس والمال والأولاد، والقتال والثبات وعدم النكوص على الأعقاب، ومواجهة اليأس والمصابة والمرابطة في صلب ديننا.
فكيف يمكن لدين بهذه المرونة والعقلانية والعلمية والإيجابية والثورة أن يتهم بالتحجر والجمود إلا من صديق عزيز مثل الدكتور القادم من فرنسا لا يعرف من أوليات دينه شيئاً ولم يقرأ في قرآنه حرفاً؟
Muhammad 2024 > مسافر بالشبح <
عدد الرسائل : 1806 العمر : 35 <font color=\"#CD3700\" >المؤهل العلمي :< : > ثانوي .. و متابع > : > : تاريخ التسجيل : 20/08/2008
موضوع: رد: مصطفى محمود - حوار مع صديقي الملحد الإثنين سبتمبر 15, 2008 10:53 pm
30
الفصل الثامن الـــــــــــروح
قال صديقي الدكتور وهو يعلم هذه المرة أن الإشكال سيكون عسيراً: ما دليلك على أن الإنسان له روح وأنه يبعث بعد موت وأنه ليس مجرد الجسد الذي ينتهي إلى تراب، وماذا يقول دينكم في تحضير الأرواح؟
قلت بعد برهة تفكير: لاشك أن السؤال اليوم صعب والكلام عن الروح ضرب في تيه والحقائق الموجودة قليلة ولكنها مع ذلك في صفنا نحن وليست في صفكم.
ومضيت برهة أغرقت فيها في التفكير ثم قلت مردفاً: فكر معي قليلاً، إن أول المؤشرات التي تساعدنا على التدليل على وجود الروح أن الإنسان ذو طبيعة مزدوجة.
الإنسان له طبيعتان، طبيعة خارجية ظاهرة مشهودة هي جسده تتصف بكل صفات المادة، فهي قابلة للوزن والقياس متحيزة في المكان متزمنة بالزمان دائمة التغير والحركة والصيرورة من حال إلى حال ومن لحظة إلى لحظة فالجسد تتداول عليه الأحوال من صحة إلى مرض إلى سمنة إلى هزال إلى تورد إلى شحوب إلى نشاط إلى كسل إلى نوم إلى يقظة إلى جوع إلى شبع، وملحق بهذه الطبيعة الجسدية شريط من الانفعالات والعواطف والغرائز والمخاوف لا يكف لحظة عن الجريان في الدماغ.
ولأن هذه الطبيعة والانفعالات الملحقة بها تتصف بخواص المادة نقول إن جسد الإنسان ونفسه الحيوانية هما من المادة.
ولكن هناك طبيعة أخرى مخالفة تماماً للأولى ومغايرة لها في داخل الإنسان، طبيعة من نوع آخر تتصف بالسكون واللازمان واللامكان والديمومة، هي العقل بمعاييره الثابتة وأقيسته ومقولاته، والضمير بأحكامه، والحس الجمالي، والـ أنا التي تحمل كل تلك الصفات "من عقل وضمير وحس جمالي وحس أخلاقي".
والـ أنا غير الجسد تماماً وغير النفس الحيوانية التي تلتهب بالجوع والشبق، الـ أنا هي الذات العميقة المطلقة وعن طريق هذه الذات والكينونة والشخوص والمثول في العالم، وبأنه هنا وبأنه كان دائماً هنا، وهو شعور ثابت ممتد لا يطرأ عليه التغير لا يسمن ولا يهزل ولا يمرض ولا يتصف بالزمان وليس فيه ماض وحاضر ومستقبل، إنما هو " آن " مستمر لا ينصرم كما ينصرم الماضي، وإنما يتمثل في شعور بالدوام، بالديمومة.
هنا نوع آخر من الوجود لا يتصف بصفات المادة فلا هو يطرأ عليه التغير ولا هو يتحيز في المكان أو يتزمن بالزمان ولا هو يقبل الوزن والقياس، بالعكس نجد
Muhammad 2024 > مسافر بالشبح <
عدد الرسائل : 1806 العمر : 35 <font color=\"#CD3700\" >المؤهل العلمي :< : > ثانوي .. و متابع > : > : تاريخ التسجيل : 20/08/2008
موضوع: رد: مصطفى محمود - حوار مع صديقي الملحد الإثنين سبتمبر 15, 2008 10:54 pm
31
أن هذا الوجود هو الثابت الذي نقيس به المتغيرات والمطلق الذي نعرف به كل ما هو نسبي في عالم المادة.
وأصدق ما نصف به هذا الوجود أنه روحي وأن طبيعته روحية، ولنا أن نسأل بعد ذلك، أي الطبيعتين هي الإنسان حقاً، هل الإنسان بالحقيقة هو جسده أو روحه؟ ولنعرف الجواب علينا أن نبحث أي الطبيعتين هي الحاكمة على الأخرى.
يقول لنا الماديون أن الإنسان هو جسده، وأن الجسد هو الحاكم وأن كل ما ذكرت من عقل ومنطق وحس جمالي وحس أخلاقي وضمير، وهذه "التخريفة" التي اسمها الذات أو الـ أنا كل هذه ملحق بالجسد ثانوي عليه تابع له يأتمر بأمره ويقوم على خدمته ويتولى إشباع شهواته وأهوائه.
هذا كلام إخواننا الماديين وهو خطأ، فالحقيقة أن الجسد تابع وليس متبوعاً مأمور وليس آمراً ألا يجوع الجسد فنرفض إمداده بالطعام لأننا قررنا أن نصوم هذا اليوم لله، ألا يتحرك بشهوة فنزجره، ألا نصحوا في الصباح فيبدأ الجسد تلقائياً في تنفيذ خطة عمل وضعها العقل وصنف بنودها بنداً بنداً من ساعة إلى ساعة؟ من التابع هنا ومن المتبوع؟
ولحظة التضحية بالنفس حينما يضع الفدائي حزام الديناميت حول جسده ويتقدم ليحطم الدبابة ومن فيها، أين جسده هنا، أين المصلحة المادية التي يحققها بموته، ومن الذي يأمر الآخر إن الروح تقرر إعدام الجسد، في لحظة مثالية تماماً لا يمكن أن يفسرها مذهب مادي بأي مكسب مادي والجسد لا يستطيع أن يقاوم هذا الأمر، ولا يملك أي قوة لمواجهته، لا يملك إلا أن يتلاشى تماماً، وهنا يظهر أي الوجودين هو الأعلى، وأي الطبيعتين هي الإنسان حقاً.
وعندنا اليوم أكثر من دليل على أن الجسد هو الوجود الثانوي، ما يجري الآن من حوادث البتر والاستبدال وزرع الأعضاء، وما نقرأه عن القلب الإلكتروني والكلية الصناعية وبنك الدم وبنك العيون ومخازن الإكسسوار البشري حيث يجري تركيب السيقان والأذرع والقلوب.
ولن تكون نكتة أن يدخل العريس على عروسه سنة 2000 فيجدها تخلع طقم الأسنان والباروكة والنهود الكاوتشوك والعين الصناعية والساق الخشبية فلا يتبقى منها إلا هيكل مثل شاسيه السيارة بعد نزع الجلد والكراسي والأبواب.
إلى هذه الدرجة يجري فك الجسم وتركيبه واستبداله دون أن يحدث شيء للشخصية لأن هذه الذراع أو تلك الساق أو ذلك الشعر أو العين أو النهد كل هذه الأشياء ليست هي الإنسان، فها هي تنقل وتستبدل وتوضع مكانها بطاريات ومسامير وقطع من الألومنيوم دون أن يحدث شيء، فالإنسان ليس هذه الأعضاء وإنما هو الروح الجالسة على عجلة القيادة لتدير هذه الماكينة
Muhammad 2024 > مسافر بالشبح <
عدد الرسائل : 1806 العمر : 35 <font color=\"#CD3700\" >المؤهل العلمي :< : > ثانوي .. و متابع > : > : تاريخ التسجيل : 20/08/2008
موضوع: رد: مصطفى محمود - حوار مع صديقي الملحد الإثنين سبتمبر 15, 2008 10:54 pm
32
التي اسمها الجسد.
إنها الإدارة التي يمثلها مجلس إدارة من خلايا المخ، ولكنها ليست المخ، فالمخ مثله مثل خلايا الجسد يصدع بالأوامر التي تصدر إليه ويعبر عنها ولكنه في النهاية ليس أكثر من قفاز لها، قفاز تلبسه هذه اليد الخفية التي اسمها الروح وتتصرف به في العالم المادي.
نفهم من هذه الشواهد كلها أن الإنسان له طبيعتان:
طبيعة جوهرية حاكمة هي روحه. وطبيعة ثانوية زائلة هي جسده.
وما يحدث بالموت أن الطبيعة الزائلة تلتحق بالزوال والطبيعة الخالدة تلتحق بالخلود فيلتحق الجسد بالتراب وتلتحق الروح بعالمها الباقي.
ولعشاق الفلسفة نقدم دليلاً آخر على وجود الروح من الخاصية التي تتميز بها الحركة، فالحركة لا يمكن رصدها إلا من خارجها، لا يمكن أن تدرك الحركة وأن تتحرك معها في نفس الفلك وإنما لا بد من عتبة خارجية تقف عليها لترصدها، ولهذا تأتي عليك لحظة وأنت في مصعد متحرك لا تستطيع أن تعرف هل هو واقف أم متحرك لأنك أصبحت قطعة واحدة معه في حركته، لا تستطيع ادراك هذه الحركة إلا إذا نظرت من باب المصعد إلى الرصيف الثابت في الخارج.
ونفس الحالة في قطار يسير بنعومة على القضبان، لا تدرك حركة مثل هذا القطار وأنت فيه إلا لحظة شروعه في الوقوف أو لحظة إطلالك من النافذة على الرصيف الثابت في الخارج، وبالمثل لا يمكنك رصد الشمس وأنت فوقها ولكن يمكنك رصدها من القمر أو الأرض، كما لا يمكنك رصد الأرض وأنت تسكن عليها وإنما تستطيع رصدها من القمر، لا تستطيع أن تحيط بحالة إلا إذا خرجت خارجها.
ولهذا ما كنا نستطيع إدراك مرور الزمن لولا أن الجزء المدرك فينا يقف على عتبة منفصلة وخارجة عن هذا المرور الزمني المستمر " أي على عتبة الخلود "، ولو كان إدراكنا يقفز مع عقرب الثواني كل لحظة لما استطعنا أن ندرك هذه الثواني أبداً، ولا نصرم إدراكنا كما تنصرم الثواني بدون أن يلاحظ شيئاً.
وهي نتيجة مذهلة تعني أن هناك جزءاً من وجودنا خارجاً عن إطار المرور الزمني " أي خالد " هو الذي يلاحظ الزمن من عتبة سكون ويدركه دون أن يتورط فيه ولهذا لا يكبر ولا يشيخ ولا يهرم ولا ينصرم، ويوم يسقط الجسد تراباً سوف يظل هذا الجزء على حاله حياً حياته الخاصة غير الزمنية هذا الجزء هو الروح.
Muhammad 2024 > مسافر بالشبح <
عدد الرسائل : 1806 العمر : 35 <font color=\"#CD3700\" >المؤهل العلمي :< : > ثانوي .. و متابع > : > : تاريخ التسجيل : 20/08/2008
موضوع: رد: مصطفى محمود - حوار مع صديقي الملحد الإثنين سبتمبر 15, 2008 10:55 pm
33
وكل منا يستطيع أن يحس بداخله هذا الوجود الروحي على صورة حضور وديمومة وشخوص وكينونة مغايرة تماما للوجود المادي المتغير المتقلب النابض مع الزمن خارجه، هذه الحالة الداخلية التي ندركها في لحظات الصحو الباطني والتي أسميتها حالة حضور، هي المفتاح الذي يقودنا إلى الوجود الروحي بداخلنا ويضع يدنا على هذا اللغز الذي اسمه الروح.
ودليل آخر على طبيعتنا الروحية هو شعورنا الفطري بالحرية، ولو كنا أجساماً مادية ضمن إطار حياة مادية تكملنا القوانين المادية الحتمية لما كان هناك معنى لهذا الشعور الفطري بالحرية، لنا الروح إذاً تعلو على الزمن وتتخطى الموت وتتخطى الحتميات المادية.
ماذا عن البعث إذاً؟ ... لم يعد أحد بعد الموت ليخبرنا ماذا جرى له، ولم يأت يوم البعث لنقدم دليلاً ملموساً أو شاهد عيان، وكل ما يمكن قوله في موضوع البعث أنه حقيقة دينية يرجحها العقل والعلم.
لماذا يرجحها العقل والعلم؟ لأن شواهد الوجود وظواهره تشير جميعها إلى أن هناك عوداً على بدء ودورة لكل شيء، بعد النهار يأتي الليل ثم يعود من جديد فيأتي النهار، والشمس تشرق ثم تغرب ثم تعود فتشرق، الصيف والخريف والشتاء والربيع ثم تعود فتتكرر الدورة من جديد فيأتي الصيف ثم الخريف ثم الشتاء ... الخ، بعد اليقظة ونوم الليل نعود فنستيقظ من جديد، وهذا يرجح أنه بعد رقود الموت هناك صحوة بعث، لأن هناك عوداً لكل شيء، والله يسمي نفسه في القرآن المبدئ المعيد.
{ كما بدأكم تعودون } { يبدأ الخلق ثم يعيده }
ألا يدور كل شيء في فلك من الذرة إلى المجرة، حتى الحضارات لها دورات والتاريخ له دورات، الدليل الآخر على البعث هو النظام المحكم الذي ليس فيه بادرة خلل واحدة من أكبر المجرات حتى أصغر الذرات حتى الإلكترون الذي لا يرى نجد النظام والقانون يهيمن على كل شيء، حتى الإلكترون المتناهي في الصغر لا يستطيع أن ينتقل من فلك إلى فلك في الذرة إلا إذا أعطى أو أخذ مقداراً من الطاقة يساوي حركته، وكأنه راكب قطار لا يستطيع الوصول لأي مكان بدون تذكرة، فكيف نتصور في هذا النظام أن يهرب قاتل أو يفر ظالم من الجزاء لمجرد أنه ضلل، إن العقل يتصور أنه لابد سيلقى جزاءه حتماً، وإن هناك لابد عالماً آخر يسوى فيه الحساب، هكذا يقول العدل.
ونحن مفطورون على تحري العدل وعلى حب العدل والبحث عن العدل ومحاولة تحقيق العدل، ومع ذلك فالعدل في الدنيا غير موجود، وكما يقول أهل الفكر إذا كان الظمأ إلى الماء يدل على وجود الماء، فلا بد أن الظمأ إلى العدل يدل على وجود العدل، فإن لم يكن موجوداً في دنيانا فلا بد أن له يوماً وساعة تنصب فيها موازينه.
Muhammad 2024 > مسافر بالشبح <
عدد الرسائل : 1806 العمر : 35 <font color=\"#CD3700\" >المؤهل العلمي :< : > ثانوي .. و متابع > : > : تاريخ التسجيل : 20/08/2008
موضوع: رد: مصطفى محمود - حوار مع صديقي الملحد الإثنين سبتمبر 15, 2008 10:55 pm
34
كل هذه مؤشرات تشير وترجح أن هناك بعثاً وحساباً وعالماً آخر، والمؤمن الذي يصدق القرآن في غير حاجة إلى هذه الاستدلالات لأنه آمن بقلبه وأراح نفسه من الجدل، يبقى بعد ذلك أن نسأل، وما الروح؟
{ ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا }
هي لغز ولا أحد يعلم عنها شيئاً، والعجيب أنه كلما جاء ذكر الروح في القرآن ذكرت معها كلمة من أمر ربي.
{ يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده } { ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده } { تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر } { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا }
دائما كلمة "من أمرنا" .. "من أمره" .. "من أمر ربي" .. كلما ذكرت الروح.
أيكون أمر الله روحاً؟ وكلمة الله روحاً؟ ألم يقل الله عن المسيح عليه السلام أنه:
{ كلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم } وأنه: { كلمته ألقاها إلى مريم وروح منه }
الكلمة .. الأمر .. الروح .. هل هي ألفاظ مترادفة لمعنى واحد؟
هي مجرد إشارات، ولا أحد يعلم الحقيقة إلا العليم، يبقى بعد ذلك سؤالك عن تحضير الأرواح، وتحضير الأرواح عندنا أمر مشكوك فيه، مشكوك فيه أنه ظواهر الغرفة المظلمة سببها حضور روح فلان أو علان، ومفكر كبير مثل هنري سودر يقول: "إن تلك الظواهر مصدرها العقل الباطن للوسيط والقوى الروحية للوسيط ذاته، ولاشيء يحضر بالمرة".
ويقول المفكرون الهنود: إن الذي يتلبس الوسيط أثناء التحضير هي أرواح سفلية تعرف بعض الأشياء عن الموتى وتستخدمها في السخرية بعقول الموجودين والضحك عليهم.
ويقول الصوفية المسلمون إن الذي يحضر في تلك الجلسات ليس الروح ولكن القرين، وهو الجن الذي كان يصاحب الميت أثناء حياته، وهو بحكم هذه الصحبة يعرف أسراره، ولأن الجن معمر فإنه يبقى حياً بعد موت صاحبه، وهو الذي يحضر الجلسات ويفشي أسرار صاحبه ويقلد صوته وعاداته ليسخر من الموجودين على عادة الجن في عدائهم للإنسان.
وهم يقولون: إننا إذا دققنا جرس المكتب فإن الذي يحضر هو الخادم، أما
السادة فإنهم لا يتركون عالمهم ويحضرون بهذه السذاجة وبالمثل في عالم الأرواح، فالذي يحضر في الجلسات ويهرج على الموجودين هي الأرواح السفلية والجن ومن في مستواهم.
أما الأرواح البشرية فهي في عالم آخر هو عالم البرزخ ولا يمكن استحضارها، ولكنها قد تتصل بمن تحب في الحلم أو في اليقظة إذا توفرت الظروف الملائمة.
ومن الجلسات الكثيرة التي حضرناها ومما جمعنا من خبرة خاصة في هذا الموضوع نقول: أنه لا يوجد دليل واحد على أن ظواهر الغرفة المظلمة سببها حضور الروح المطلوبة، وربما كان رأي الصوفية المسلمين أكثر الآراء تفسيراً لما يحدث، والمسألة ما زالت قيد البحث.
وللأسف الشعوذات في هذا الموضوع أكثر من الحقائق، والكلمة الأخيرة لم تقل بعد، لا شك أنك سوف تضحك على كلمات مثل الجن والأرواح السفلية والقرين، ولك عذرك .. فإذا كنت لا تؤمن بروحك أنت فكيف يتوقع منك أن تؤمن بجني؟
وإذا كنت لا تؤمن بالله فكيف ينتظر منك أن تؤمن بشياطينه؟ ومع ذلك لو كنت ولدت منذ مئة سنة وجاءك رجل يحدثك عن أشعة غير منظورة تخرق الحديد، صور تنتقل في الهواء عبر المحيطات في أقل من ثانية، ورائد فضاء يمشي على تراب القمر، ألم تكن تضحك وتقهقه وتستلقي على قفاك أضعاف ما تضحك الآن، وتقول لنفسك، هذا رجل هارب من مستشفى المجاذيب ومع ذلك فيا لها من حقائق ملء السمع والبصر الآن.
Muhammad 2024 > مسافر بالشبح <
عدد الرسائل : 1806 العمر : 35 <font color=\"#CD3700\" >المؤهل العلمي :< : > ثانوي .. و متابع > : > : تاريخ التسجيل : 20/08/2008
موضوع: رد: مصطفى محمود - حوار مع صديقي الملحد الإثنين سبتمبر 15, 2008 10:56 pm
35
الفصل التاسع الضميـــــر
قال صاحبي: أنتم تتكلمون عن الضمير في تقديس كما لو كان شيئاً مطلقاً مع أنه أحد المصنوعات الاجتماعية، عملة نحاسية لا أكثر صكت ودمغت وسبكت في فرن التعاملات الاجتماعية وهو عندنا شيء تتغير أحكامه وضوابطه وفق المصالح الجارية والقيمة التي تفيد نقول عنها خيراً والقيمة التي تضر نقول عنها شراً ولو كانت هذه القيمة هي العفة التي تتمسكون بها كعيونكم.
قلت له في هدوء: نعم .. هذا هو رأي الفلسفة المادية على ما أسمع، أن الضمير سلطة زجر وردع نبتت من الدواعي الاجتماعية، مجرد تحصيل خبرة تتفاوت بين شخص وشخص وبين عصر وعصر وبين أمة وأمة، هذا كلامكم.
Muhammad 2024 > مسافر بالشبح <
عدد الرسائل : 1806 العمر : 35 <font color=\"#CD3700\" >المؤهل العلمي :< : > ثانوي .. و متابع > : > : تاريخ التسجيل : 20/08/2008
موضوع: رد: مصطفى محمود - حوار مع صديقي الملحد الإثنين سبتمبر 15, 2008 10:56 pm
36
ولكن الحقيقة غير ذلك، الحقيقة أن الضمير نور وضعه الله في الفطرة ومؤشر ودليل وبوصلة نولد بها، تهدينا إلى الحقائق وكل دور الاكتساب الاجتماعى أنه يجلو مرآة هذه البوصلة ويصقل زجاجها، ولنا على ذلك براهين تؤيدنا وتشجب كلامكم.
انظر إلى عالم الحيوان حيث لا مجتمع، ترى القطة تتبرز ثم تستدير لتغطى فضلاتها بالتراب، في أي مجتمع قططي تعلمت القطة هذا الوازع؟ وكيف ميزت بين القذارة والنظافة؟
وأنت ترى القطة تسرق السمكة فإذا ضبطتها وضربتها على رأسها طأطأت ونكست بصرها في إحساس واضح بالذنب، وتراها تلهو مع الأطفال في البيت فتكسر فازة أثناء اللعب، فماذا يحدث إنها تجرى في فزع وتختبيء تحت الكراسى وقد أدركت أنها أخطأت، كل هذه شواهد وملامح ضمير، وليس في مملكة القطط دواع لنشأة هذه المشاعر، ولا نرى حتى مجتمعاً قططياً من الأساس.
وتقاليد الوفاء الزوجى في الحمام، ونبل الحصان في ارتباطه بصاحبه حتى الموت، وكبرياء الأسد وترفعه عن الهجوم على فريسته من الخلف، وخجل الجمل وتوقفه عن مضاجعة أنثاه إذا وجد أن هناك عيناً ترقبه.
ثم تلك الحادثة البليغة التي رآها جمهور المشاهدين في السيرك القومى بالقاهرة، حينما قفز الأسد على المدرب محمد الحلو من الخلف وأنشب مخالبه في كتفه وأصابه بجرج قاتل، وبقية الحادثة يرويها موظفو السيرك، كيف امتنع الأسد عن الطعام، وحبس نفسه في زنزانته لا يبرحها، وكيف نقلوه إلى حديقة الحيوان وقدموا له أنثى لتروح عنه فضربها وطردها، وظل على صيامه ورفضه للطعام ثم انقض على يده الآثمة وظل يمزقها حتى نزف ومات.
حيوان ينتحر ندماً وتكفيراً عن جريمته، من أي مجتمع في دنيا السباع أخذ الأسد هذه التقاليد، هل في مجتمع السباع أن افتراس الإنسان جريمة تدعو إلى الانتحار؟
نحن هنا أمام نبل وخلق وضمير لا نجده في بشر، ونحن أمام فشل كامل للتفسير الماديّ وللتصور الماديّ لحقيقة الضمير، ولا تفسير لما نراه سوى ما يقوله الدين، من أن الضمير هو نور وضعه الله في الفطرة وأن كل دور الاكتساب الاجتماعي أن يجلو صدأ النفس فتشف عن هذا النور الالهي.
وهذا هو ما حدث بين الأسد ومدربه، المعاشرة والمحبة والمصاحبة صقلت تلك النفس الحيوانية فأيقظت ذلك القبس الرحماني، فإذا بالأسد يحزن ويندم وينتحر كمداً كالبشر، (الحلال بين والحرام بين) كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام (استفت قلبك وإن أفتاك الناس).
لسنا في حاجة إلى كلية شريعة لنعرف الخطأ من الصواب والحق من الحلال، فقد وضع الله في قلب كل منا كلية شريعة، وميزاناً لا يخطئ، وكل ما نحن مطالبون به أن نجلو نفوسنا من غواشي المادة ومن كثافة الشهوات فنبصر ونرى ونعرف ونميز بدون عكاز "الخبرة الاجتماعية" وذلك بنور الله الذي اسمه الضمير.
يقول الله في الحديث القدسي للصوفي محمد بن عبد الجبار: "كيف تيأس منّي وفي قلبك سفيري ومتحدثي"
الضمير حقيقة ثابتة والقيم الأخلاقية الأساسية هي بالمثل ثابتة فقتل البريء لن يصبح يوماً ما فضيلة وكذا السرقة والكذب وإيذاء الآخرين والفحشاء والفجور والبذاءة والغلظة والقسوة والنفاق والخيانة كل هذه نقائض خلقية، وسوف تظل هكذا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وكذلك سوف تظل المحبة والرحمة والصدق والحلم والعفو والإحسان فضائل، ولن تتحول إلى جرائم إلا إذا فسدت السماوات والأرض وساد الجنون وانتهى العقل.
Muhammad 2024 > مسافر بالشبح <
عدد الرسائل : 1806 العمر : 35 <font color=\"#CD3700\" >المؤهل العلمي :< : > ثانوي .. و متابع > : > : تاريخ التسجيل : 20/08/2008
موضوع: رد: مصطفى محمود - حوار مع صديقي الملحد الإثنين سبتمبر 15, 2008 10:57 pm
37
الفصل العاشر هل مناسك الحج وثنية؟
قال صاحبي وهو يفرك يديه ارتياحاً ويبتسم ابتسامة خبيثة تبدي نواجذه وقد لمعت عيناه بذلك البريق الذي يبدو في وجه الملاكم حينما يتأهب لتوجيه ضربة قاضية: ألا تلاحظ معي أن مناسك الحج عندكم هي وثنية صريحة، ذلك البناء الحجري الذي تسمونه الكعبة وتتمسحون به وتطوفون حوله، ورجم الشيطان والهرولة بين الصفا والمروة، وتقبيل الحجر الأسود، وحكاية السبع طوفات والسبع رجمات والسبع هرولات وهي بقايا من خرافة الأرقام الطلسمية في الشعوذات القديمة، وثوب الإحرام الذي تلبسونه على اللحم، لا تؤاخذني إذا كنت أجرحك بهذه الصراحة ولكن لا حياء في العلم.
وراح ينفث دخان سيجارته ببطء ويراقبني من وراء نظارته.
قلت في هدوء : ألا تلاحظ معي أنت أيضاً أن في قوانين المادة التي درستها أن الأصغر يطوف حول الأكبر، الإلكترون في الذرة يدور حول النواة، والقمر حول الأرض، والأرض حول الشمس، والشمس حول المجرة، والمجرة حول مجرة أكبر، إلى أن نصل إلى "الأكبر مطلقاً" وهو الله، ألا نقول "الله أكبر" .. أي أكبر من كل شيء؟
Muhammad 2024 > مسافر بالشبح <
عدد الرسائل : 1806 العمر : 35 <font color=\"#CD3700\" >المؤهل العلمي :< : > ثانوي .. و متابع > : > : تاريخ التسجيل : 20/08/2008
موضوع: رد: مصطفى محمود - حوار مع صديقي الملحد الإثنين سبتمبر 15, 2008 10:58 pm
38
وأنت الآن تطوف حوله ضمن مجموعتك الشمسية رغم أنفك ولا تملك إلا أن تطوف فلا شيء ثابت في الكون إلا الله هو الصمد الصامد الساكن والكل في حركة حوله، وهذا هو قانون الأصغر والأكبر الذي تعلمته في الفيزياء.
أما نحن فنطوف باختيارنا حول بيت الله، وهو أول بيت اتخذه الإنسان لعبادة الله، فأصبح من ذلك التاريخ السحيق رمزاً وبيتاً لله.
ألا تطوفون أنتم حول رجل محنط في الكرملين تعظمونه وتقولون أنه أفاد البشرية، ولو عرفتم لشكسبير قبراً لتسابقتم إلى زيارته بأكثر مما نتسابق إلى زيارة محمد عليه الصلاة والسلام؟
ألا تضعون باقة ورد على نصب حجري وتقولون أنه يرمز للجندي المجهول؟ فلماذا تلوموننا لأننا نلقي حجراً على نصب رمزي نقول أنه يرمز إلى الشيطان؟
ألا تعيش في هرولة من ميلادك إلى موتك ثم بعد موتك يبدأ ابنك الهرولة من جديد وهي نفس الرحلة الرمزية من الصفا "الصفاء أو الخواء أو الفراغ رمز للعدم" إلى المروة وهي النبع الذي يرمز إلى الحياة والوجود.
من العدم إلى الوجود ثم من الوجود إلى العدم، أليست هذه هي الحركة البندولية لكل المخلوقات، ألا ترى في مناسك الحج تلخيصاً رمزياً عميقاً لكل هذه الأسرار.
ورقم 7 الذي تسخر منه، دعني أسألك ما السر في أن درجات السلم الموسيقي 7 صول لا سي دو ري مي فا ثم بعد المقام السابع يأتي جواب الصول من جديد، فلا نجد 8 وإنما نعود إلى سبع درجات أخرى وهلم جرا، وكذلك درجات الطيف الضوئي 7 وكذلك تدور الإلكترونات حول نواة الذرة في نطاقات 7 والجنين لا يكتمل إلا في الشهر 7 وإذا ولد قبل ذلك يموت وأيام الأسبوع عندنا وعند جميع أفراد الجنس البشري 7 وضعوها كذلك دون أن يجلسوا ويتفقوا.
ألا يدل ذلك على شيء، أم أن كل هذه العلوم هي الأخرى شعوذات طلسمية؟
ألا تقبل خطاباً من حبيبتك، هل أنت وثني؟ فلماذا تلومنا إذا قبلنا ذلك الحجر الأسود الذي حمله نبينا محمد عليه الصلاة والسلام في ثوبه وقبله، لا وثنية في ذلك بالمرة لأننا لا نتجه بمناسك العبادة نحو الحجارة ذاتها، وإنما نحو المعاني العميقة والرموز والذكريات.
إن مناسك الحج هي عدة مناسبات لتحريك الفكر وبعث المشاعر وإثارة التقوى في القلب، أما ثوب الإحرام الذي نلبسه على اللحم ونشترط ألا يكون
مخيطاً فهو رمز للخروج من زينة الدنيا وللتجرد التام أمام حضرة الخالق، تماماً كما نأتي إلى الدنيا في اللفة ونخرج من الدنيا في لفة وندخل القبر في لفة، ألا تشترطون أنتم لبس البدل الرسمية لمقابلة الملك؟ ونحن نقول إنه لا شيء يليق بجلالة الله إلا التجرد وخلع جميع الزينة لأنه أعظم من جميع الملوك ولأنه لا يصلح في الوقفة أمامه إلا التواضع التام والتجرد، ولأن هذا الثوب البسيط الذي يلبسه الغني والفقير والمهراجا والمليونير أمام الله فيه معنى آخر للأخوة رغم تفاوت المراتب والثروات.
والحج عندنا اجتماع عظيم ومؤتمر سنوي، ومثله صلاة الجمعة وهي المؤتمر الصغير الذي نلتقي فيه كل أسبوع، هي كلها معان جميلة لمن يفكر ويتأمل، وهي أبعد ما تكون عن الوثنية.
ولو وقفت معي في عرفة بين عدة ملايين يقولون الله أكبر ويتلون القرآن بأكثر من عشرين لغة ويهتفون لبيك اللهم لبيك ويبكون ويذوبون شوقاً وحباً، لبكيت أنت أيضاً دون أن تدري وتذوب في الجمع الغفير من الخلق، وأحسست بذلك الفناء والخشوع أمام الإله العظيم مالك الملك الذي بيده مقاليد كل شيء
Muhammad 2024 > مسافر بالشبح <
عدد الرسائل : 1806 العمر : 35 <font color=\"#CD3700\" >المؤهل العلمي :< : > ثانوي .. و متابع > : > : تاريخ التسجيل : 20/08/2008
موضوع: رد: مصطفى محمود - حوار مع صديقي الملحد الإثنين سبتمبر 15, 2008 10:58 pm
الفصل الحادي عشر لماذا لا يكون القرآن من تأليف محمد؟
قال صاحبي وهو ينتقى عباراته: لا أريد أن أجرحك فأنا أعلم اعتزازك بالقرآن وأنا معك في أنه كتاب قيم، ولكن لماذا لا يكون من تأليف محمد؟ إن رجلاً في عظمة محمد لا يُستغرب منه أن يضع كتاباً في عظمة القرآن، سوف يكون هذا منطقياً أكثر من أن نقول إن الله أنزله فإنا لم نر الله ينزل من السماء شيئاً ونحن في عصر من الصعب أن نقنع فيه إنساناً بأن هناك ملاكاً أسمه جبريل نزل بن السماء بكتاب ليوحى به إلى أحد.
قلت في هدوء:
بل نحن في عصر يسهل فيه تماماً أن نصدق بأن هناك ملائكة لا تُرى، وبأن الحقائق يمكن أن تلقى إلى الإنسان وحياً، فهم يتكلمون اليوم عن أطباق طائرة تنزل على الأرض، كواكب بعيدة وأشعة غير منظورة تقتل، وأمواج لاسلكية تحدد الأهداف وتضربها، وصور تتحول إلى ذبذبات في الهواء ثم تستقبل في أجهزة صغيرة كعلب التبغ، وكاميرات تصور الأشباح، وعيون ترى في الظلام، ورجل يمشى على القمر، وسفينة تنزل على المريخ، لم يعد غريباً أن نسمع أن الله أرسل ملكاً خفياً من ملائكته، وأنه ألقى بوحيه على أحد أنبيائه، لقد أصبح وجود جبريل اليوم حقيقة من الدرجة الثانية، وأقل عجباً وغرابة مما نرى ونسمع كل يوم.
أما لماذا لا نقول إن القرآن من تأليف محمد عليه الصلاة والسلام، فلأن القران بشكله وعباراته وحروفه وما احتوى عليه من علوم ومعارف وأسرار وجمال
Muhammad 2024 > مسافر بالشبح <
عدد الرسائل : 1806 العمر : 35 <font color=\"#CD3700\" >المؤهل العلمي :< : > ثانوي .. و متابع > : > : تاريخ التسجيل : 20/08/2008
موضوع: رد: مصطفى محمود - حوار مع صديقي الملحد الإثنين سبتمبر 15, 2008 11:00 pm
40
بلاغي ودقة لغوية هو مما لا يدخل في قدرة بشر أن يؤلفه، فإذا أضفنا الى ذلك أن محمداً عليه الصلاة والسلام كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب ولم يتعلم في مدرسة ولم يختلط بحضارة، ولم يبرح شبه الجزيرة العربية، فإن احتمال الشك واحتمال إلقاء هذا السؤال يغدو مستحيلاً، والله يتحدى المنكرين ممن زعموا أن القرآن مؤلف.
{ قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله } استعينوا بالجن والملائكة وعباقرة الإنس وأتوا بسورة من مثله ومازال التحدي قائماً ولم يأت أحد بشيء إلا ببعض عبارات مسجوعة ساذجة سموها "سورة من مثله" أتى بها أناس يعتقدون أن القرآن مجرد كلام مسجوع، ولكن سورة من مثله أي بها نفس الإعجاز البلاغي والعلمي.
وإذا نظرنا إلى القرآن في حياد وموضوعية فسوف نستبعد تماما أن يكون محمد عليه الصلاة والسلام هو مؤلفه.
أولاً: لأنه لو كان مؤلفه لبث فيه همومه وأشجانه، ونحن نراه في عام واحد يفقد زوجه خديجة وعمه أبا طالب ولا سند له في الحياة غيرهما، وفجيعته فيهما لا تقدر، ومع ذلك لا يأتي لهما ذكر في القرآن ولا بكلمة، وكذلك يموت ابنه إبراهيم ويبكيه، ولا يلقى لذلك خبر في القرآن، القرآن معزول تماماً عن الذات المحمدية.
بل إن الآية لتأتى مناقضة لما يفعله محمد وما يفكر فيه، وأحياناً تنزل الآية معاتبة له كما حدث بصدد الأعمى الذي انصرف عنه النبي إلى أشراف قريش:
{ عبس وتولى . أن جاءه الأعمى . وما يدريك لعله يزكى . أو يذكر فتنفعه الذكرى } 1- 4 عبس
وأحياناً تنزل الآية فتنقض عملاً من أعمال النبي:
{ ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض . تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم . لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم } 67- 68 الأنفال
وأحياناً يأمر القرآن محمد بأن يقول لأتباعه ما لا يمكن أن يقوله لو أنه كان يؤلف الكلام تأليفاً:
{ قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدرى ما يفعل بي ولا بكم } 9 الأحقاف
لا يوجد نبي يتطوع من تلقاء نفسه ليقول لأتباعه لا أدرى ما يفعل بي ولا بكم، لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً، ولا أملك لكم ضراً ولا نفعاً، فإن هذا يؤدى إلى أن ينفض عنه أتباعه.
Muhammad 2024 > مسافر بالشبح <
عدد الرسائل : 1806 العمر : 35 <font color=\"#CD3700\" >المؤهل العلمي :< : > ثانوي .. و متابع > : > : تاريخ التسجيل : 20/08/2008
موضوع: رد: مصطفى محمود - حوار مع صديقي الملحد الإثنين سبتمبر 15, 2008 11:01 pm
41
وهذا ما حدث فقد اتخذ اليهود هذه الآية عذراً ليقولوا، ما نفع هذا النبي الذي لا يدري ماذا يفعل به ولا بنا، هذا رجل لا جدوى فيه، مثل هذه الآيات ما كان يمكن أن يؤلفها النبي لو كان يضع القرآن من عند نفسه.
ثانياً: لو نظرنا بعد ذلك في العبارة القرآنية لوجدنا أنها جديدة منفردة في رصفها وبنائها ومعمارها ليس إلا شبيه فيما سبق من أدب العرب ولا شبيه فيما أتى لاحقاً بعد ذلك، حتى لتكاد اللغة تنقسم إلى شعر ونثر وقرآن، فنحن أمام كلام هو نسيج وحده لا هو بالنثر ولا بالشعر، فموسيقى الشعر تأتى من الوزن ومن التقفية فنسمع الشاعر ابن الأبرص الأسدى ينشد: (أقفر من أهله عبيد فليس يبدى ولا يعيد).
هنا الموسيقى تخرج من التشطير ومن التقفية على الدال الممدودة، فهي موسيقى خارجية، أما موسيقى القرآن فهي موسيقى داخلية
{ والضحى . والليل إذا سجى } 1- 2 الضحى
لا تشطير ولا تقفية في هذه العبارة البسيطة، ولكن الموسيقى تقطر منها، من أين؟ إنها موسيقى داخلية.
اسمع هذه الآيات:
{ رب إني وهن العظم منّي واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا } 4 مريم
وهذه الآيات:
{ طه . ما انزلنا عليك القران لتشقى . إلا تذكرة لمن يخشى . تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى . الرحمن على العرش استوى } 1-5 طه
فإذا تناولت الآيات تهديداً تحول بناء العبارة ونحتها إلى جلاميد صخر وأصبح للإيقاع صلصلة نحاسية تصخ السمع:
{ إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر . تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر } 19-20 القمر
كلمات مثل "صرصرا" .. "ومنقعر" كل كلمة كأنها جلمود صخر، فإذا جاءت الآية لتروى خبراً هائلاً كما في نهاية الطوفان تقاصرت العبارات وكأنها إشارات "مورس " التلغرافية، وأصبحت الآية كلها كأنها تلغراف مقتضب له وقع هائل:
{ وقيل يأرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعى وغيض الماء وقضى الأمر } 44 هود
Muhammad 2024 > مسافر بالشبح <
عدد الرسائل : 1806 العمر : 35 <font color=\"#CD3700\" >المؤهل العلمي :< : > ثانوي .. و متابع > : > : تاريخ التسجيل : 20/08/2008
موضوع: رد: مصطفى محمود - حوار مع صديقي الملحد الإثنين سبتمبر 15, 2008 11:05 pm
42
هذا التلون في نحت الألفاظ وفي بناء العبارة وفي إيقاع الكلمات مع المعاني والمشاعر، يبلغ في القرآن الذروة ويأتي دائما منساباً لا تكلف فيه ولا تعمل.
ثالثاً: إذا مضينا في التحليل أكثر فإنا سنكتشف الدقة البالغة والإحكام المذهل، كل حرف في مكانه لا تقديم ولا تأخير، لا تستطيع أن تضع كلمة مكان كلمة، ولا حرفاً مكان حرف، كل لفظة تم اختيارها من مليون لفظة بميزان دقيق، وسنرى أن هذه الدقة البالغة لا مثيل لها في التأليف، انظر إلى هذه الكلمة "لواقح" في الآية:
{ وأرسلنا الرياح لواقح } 22 الحجر
وكانوا يفسرونها في الماضي على المعنى المجازي بمعنى أن الرياح تثير السحب فتسقط المطر فيلقح الأرض بمعنى "يخصبها" ثم عرفنا اليوم أن الرياح تسوق السحب إيحابية التكهرب وتلقى بها في أحضان السحب سالبة التكهرب فيحدث البرق والرعد والمطر، وهي بهذا المعنى "لواقح " أيضاً، ونعرف الآن أيضاً أن الرياح تنقل حبوب اللقاح من زهرة إلى زهرة فتلقحها بالمعنى الحرفي، ونعرف أخيراً أن المطر لا يسقط إلا بتلقيح قطيرات الماء بذرات الغبار فتنمو القطيرات حول هذه الأنوية من الغبار وتسقط مطراً. فها نحن امام كلمة صادقة مجازياً وحرفياً وعلمياً، ثم هي بعد ذلك جميلة فنياً وأدبياً وذات إيقاع حلو، هنا نرى منتهى الدقة في انتقاء اللفظة ونحتها، وفي آية أخرى:
{ ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون } 88 البقرة
كلمة "تدلوا " .. مع أن الحاكم الذي تلقى إليه الأموال في الأعلى وليس في الأسفل، لا، إن القران يصحح الوضع، فاليد التي تأخذ الرشوة هي اليد السفلى ولو كانت يد الحاكم، ومن هنا جاءته كلمة "تدلوا بها إلى الحكام" لتعبر في بلاغة لامثيل الا عن دناءة المرتشى وسفله.
وفي آية الجهاد:
{ ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثَّاقلتم إلى الأرض } 38 التوبة
القرآن يستعمل كلمة "اثَّاقلتم" بدلا من تثاقلتم، يدمج الحروف إدماجا، ويلصقها إلصاقاً ليعبر عن جبن الجبناء الذين يلتصقون بالأرض "ويتربسون " فيها من الخوف إذا دعوا إلى القتال، فجاءت حروف الكلمة بالمثل "متربسة".
وفي آية قتل الأولاد من الفقر نراها جاءت على صورتين:
Muhammad 2024 > مسافر بالشبح <
عدد الرسائل : 1806 العمر : 35 <font color=\"#CD3700\" >المؤهل العلمي :< : > ثانوي .. و متابع > : > : تاريخ التسجيل : 20/08/2008
موضوع: رد: مصطفى محمود - حوار مع صديقي الملحد الإثنين سبتمبر 15, 2008 11:06 pm
43
{ ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم } 151 الأ نعام { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم } 31 الإسر اء
والفرق بين الآيتين لم يأت اعتباطاً، وإنما جاء لأسباب محسوبة، فحينما يكون القتل من إملاق فإن معناه أن الأهل فقراء في الحاضر، فيقول: نحن "نرزقكم" وإياهم، وحينما يكون قتل الأولاد خشية إملاق فإن معناه أن الفقر هو احتمال في المستقبل ولذا تشير الآية إلى الأبناء فتقول نحن "نرزقهم" وإياكم.
مثل هذه الفروق لا يمكن أن تخطر على بال مؤلف، وفي حالات التقديم والتأخير نجد دائما أنه لحكمة، نجد أن السارق مقدم على السارقة في آية السرقة، في حين أن الزانية مقدمة على الزانى في آية الزنى، وذلك لسبب واضح، أن الرجل أكثر إيجابية في السرقة، أما في الزنى فالمرأة هي التي تأخذ المبادرة، من لحظة وقوفها أمام المرآة تضع "البارفان" ولمسات "التواليت" وتختار الفستان أعلى الركبة فإنها تنصب الفخاخ للرجل الموعود.
{ الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } 2 النور { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } 38 المائدة
وبالمثل تقديم السمع على البصر في أكثر من 16 مكاناً:
{ وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة } 78 النحل
{ وجعلنا لكم سمعاً وأبصاراً وأفئدة } 26 الأحقاف
{ أسمع بهم وأبصر } 38 مريم { إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا } 36 الإسراء { وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم } 22 فصلت { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } 11 الشورى
دائماً السمع أولاً، ولا شك أن السمع أكثر إرهافاً وكمالاً من البصر، إننا نسمع الجن ولا نراه، والأنبياء سمعوا الله وكلموه ولم يره أحد.
وقد تلقى محمد القرآن سمعاً، والأم تميز بكاء ابنها في الزحام ولا تستطيع أن تميز وجهه، والسمع يصاحب الإنسان أثناء النوم فيظل صاحياً في حين تنام عيناه، ومن حاول تشريح جهاز السمع يعلم أنه أعظم دقة وإرهافا من جهاز البصر.
وبالمثل تقديم المال على الولد:
{ يوم لاينفع مال ولا بنون . إلا من أتى الله بقلب سليم } 88 - 89 الشعراء { إنما أموالكم وأولادكم فتنة . والله عنده أجر عظيم } 15 التغابن { لن تغنى عنكم أموالكم ولا أولادهم من الله شيئا . وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } 16 آل عمران { أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين . نسارع لهم في الخيرات بل لا
Muhammad 2024 > مسافر بالشبح <
عدد الرسائل : 1806 العمر : 35 <font color=\"#CD3700\" >المؤهل العلمي :< : > ثانوي .. و متابع > : > : تاريخ التسجيل : 20/08/2008
موضوع: رد: مصطفى محمود - حوار مع صديقي الملحد الإثنين سبتمبر 15, 2008 11:22 pm
44
[] يشعرون } 55 - 56 المؤمنون { فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد ألله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا } 55 التو بة { اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته } 20 الحديد
والأمثلة على هذا التقديم كثيرة والسر أن المال عند أكثر الناس أعز من الولد، ثم الدقة والخفاء واللطف في الإعراب، انظر إلى هذه الآية:
{ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما } 9 الحجرات
مرة عوملت الطائفتان على أنهما جمع "اقتتلوا" ومرة على أنهما مثنى "فأصلحوا بينهما" والسر لطيف، فالطائفتان في القتال تلتحمان وتصبحان جمعاً من الأذرع المتضاربة، في حين أنهما في الصلح تتفصلان إلى اثنين، وترسل كل واحدة عنها مندوباً، ومن هنا قال: وإن طائفتان من المؤمنين "اقتتلوا" فأصلحوا "بينهما".
حتى حروف الجر والوصل والعطف تأتى وتمتنع في القرآن لأسباب عميقة، وبحساب دقيق محكم، مثلا تأتي كلمة "يسألونك" في أماكن عديدة من القرآن:
{ يسألونك ماذا ينفقون قل العفو } 219 البقرة
{ يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي} 85 الإسراء
{ يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } 189 البقرة
دائما الجواب بكلمة "قل" .. ولكنها حين تأتى عن الجبال:
{ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا } 105 طه
هنا لأول مرة جاءت "فقل" بدلا من "قل"، والسبب أن كل الأسئلة السابقة كانت قد سئلت بالفعل، أما سؤال الجبال فلم يكن قد سئل بعد، لأنه من أسرار القيامة، وكأنما يقول الله: فإذا سألوك عن الجبال "فقل"، فجاءت الفاء زاندة لسبب محسوب. أما في الآية:
هنا لا ترد كلمة "قل" لأن السؤال عن ذات الله، والله أولى بالإجابة عن نفسه، كذلك الضمير أنا ونحن، يتكلم الله بضمير الجمع حيثما يكون التعبير عن "فعل" إلهي تشترك فيه جميع الصفات الإلهية كالخلق، وإنزال القرآن وحفظه:
{ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } 9 الحجر
{ نحن خلقناكم فلولا تصدقون } 57 الواقعة
Muhammad 2024 > مسافر بالشبح <
عدد الرسائل : 1806 العمر : 35 <font color=\"#CD3700\" >المؤهل العلمي :< : > ثانوي .. و متابع > : > : تاريخ التسجيل : 20/08/2008
موضوع: رد: مصطفى محمود - حوار مع صديقي الملحد الإثنين سبتمبر 15, 2008 11:28 pm
45
{ إنا أنزلناه في ليلة القدر } 1 القدر { أفرأيتم ما تمنون . أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون } 58 - 59 الواقعة { نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالم تبديلا } 28 الإنسان
"ونحن" هنا تعبر عن جمعية الصفات الإلهية وهي تعمل في إبداع عظيم مثل عملية الخلق، أما إذا جاءت الآية في مقام مخاطبة بين الله وعبده كما في موقف المكالمة مع موسى، تأتي الآية بضمير المفرد
{ إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكرى } 14 طه
الله يقول"أنا" لأن الحضرة هنا حضرة ذات، وتنبيهاً منه سبحانه على مسألة التوحيد والوحدانية في العبادة، ونجد مثل هذه الدقة الشديدة في آيتين متشابهتين عن الصبر تفترق الواحدة عن الأخرى في حرف اللام، يقول لقمان لولده:
{ واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور } 17 لقمان
وفي آية أخرى عن الصبر نقرأ:
{ ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور } 43 الشورى
الصبر في الأولى "من عزم الأمور" وفي الثانية "لمن عزم الامور"، وسر التوكيد باللام في الثانية أنه صبر مضاعف، لأنه صبر على عدوان بشري لك فيه غريم، وأنت مطالب فيه بالصبر والمغفرة وهو أمر اشد على النفس من الصبر على القضاء الإلهي الذي لا حيلة فيه.
ونفس هذه الملاحظة عن "اللام" نجدها مرة أخرى في آيتين عن إنزال المطر وإنبات الزرع:
{ أفرأيتم الماء الذي تشربون . أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون . لو نشاء جعلناه أجاجا } 68 - 70الواقعة
وفي آية ثانية:
{ أفرأيتم ما تحرثون . أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون . لو نشاء لجعلناه حطاما } 63 - 65 الواقعة
في الآية الأولى "جعلناه" أجاجاً وفي الآية الثانية "لجعلناه" حطاماً، واللام جاءت في الثانية لضرورة التوكيد، لأن هناك من سوف يدعي بأنه يستطيع أن يتلف الزرع كما يتلفه الخالق، ويجعله حطاماً. في حين لن يستطيع أحد من البشر أن يدعى أن في إمكانه أن ينزل من سحب السماء مطراً مالحاً فلا حاجة إلى توكيد باللام.
Muhammad 2024 > مسافر بالشبح <
عدد الرسائل : 1806 العمر : 35 <font color=\"#CD3700\" >المؤهل العلمي :< : > ثانوي .. و متابع > : > : تاريخ التسجيل : 20/08/2008
موضوع: رد: مصطفى محمود - حوار مع صديقي الملحد الإثنين سبتمبر 15, 2008 11:29 pm
46
ونفس هذه الدقة نجدها في وصف إبراهيم لربه في القرآن بأنه
{ الذي يميتنى ثم يحيين } 81 الشعراء { والذي هو يطعمنى ويسقين } 79 الشعراء
فجاء بكلمة "هو" حينما تكلم عن "الإطعام" ليؤكد الفعل الإلهي، لأنه سوف يدعي الكل أنهم يطعمونه، ويسمقونه، على حين لن يدعى أحد بأنه يميته ومجييه كما يميته الله ويحييه.
ونجد هذه الدقة أيضا حينما يخاطب القرآن المسلمين قائلاً:
{ اذكروني أذكركم } 152 البقرة
ويخاطب اليهود قائلاً:
{ اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم } 40 البقرة
فاليهود ماديون لا يذكرون الله إلا في النعمة والفاندة والمصلحة والمسلمون أكثر شفافية ويفهمون معنى أن يذكر الله لذاته لا لمصلحة، وبنفس المعنى يقول الله للخاصة من أولى الألباب:
{ اتقون يا أولى الألباب } 197 البقرة
ويقول للعوام:
{ اتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة } 24 البقرة
لأن العوام لا يردعهم إلا النار، أما الخاصة فهم يعلمون أن الله أقوى من كل نار، وأنه يستطيع أن يجعل النار برداً وسلاماً إن شاء، ونجد مثل هذه الدقة البالغة في اختيار اللفظ في كلام إبليس حينما أقسم على ربه قائلاً:
{ فبعزتك لأغوينهم أجمعين } 82 ص
أقسم إبليس بالعزة الإلهية ولم يقسم بغيرها، فأثبت بذلك علمه وذكاءه، لأن هذه العزة الإلهية هي التي اقتضت استغناء الله عن خلقه، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ولن يضروا الله شيئاً، فهو العزيز عن خلقه.
ويقول الله في حديثه القدسى:
{ هؤلاء في النار ولا أبالى، وهؤلاء في الجنة ولا أبالى} وهذا مقتضى العزة الإلهية.
Muhammad 2024 > مسافر بالشبح <
عدد الرسائل : 1806 العمر : 35 <font color=\"#CD3700\" >المؤهل العلمي :< : > ثانوي .. و متابع > : > : تاريخ التسجيل : 20/08/2008
موضوع: رد: مصطفى محمود - حوار مع صديقي الملحد الإثنين سبتمبر 15, 2008 11:30 pm
47
وهي الثغرة الوحيدة التي يدخل منها إبليس، فهو بها يستطيع أن يضل ويوسوس، لأن الله لن يقهر أحداً اختار الكفر على الإيمان، ولهذا قال "فبعزتك" لأغوينهم أجمعين.
{ لأقعدن لهم صراطك المستقيم . ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم } 16-17 الأعراف
ذكر الجهات الأربع، ولم يذكر من فوقهم ولا من تحتهم. لأن "فوق" الربوبية، "وتحت" تواضع العبودية، ومن لزم مكانه الأدنى من ربه الأعلى لن يستطيع الشيطان أن يدخل عليه.
ثم ذكر إبليس أن مقعده المفضل للإغواء سوف يكون الصراط المستقيم، على طريق الخير وعلى سجادة الصلاة، لأن تارك الصلاة والسكير والعربيد ليس في حاجة إلى إبليس ليضله، فقد تكفلت نفسه بإضلاله، إنه إنسان خرب، وإبليس لص ذكي، لا يحب أن يضيع وقته بأن يحوم حول البيوت الخربة.
متال آخر من أمثلة الدقة القرآنية نجده في سبق المغفرة على العذاب والرحمة على الغضب في القرآن، فالله في "الفاتحة" هو الرحمن الرحيم قبل أن يكون مالك يوم الدين، وهو دائماً يوصف بأنه يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، تأتي المغفرة أولا قبل العذاب إلا في مكانين في آية قطع اليد
{ يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء} 40 المائدة
لأن العقوبة بقطع اليد عذاب دنيوي، تليه مغفرة أخروية، وفي كلام عيسى يوم القيامة عن المشركين الذين عبدوه من دون الله، فيقول لربه:
{ إن تعذبهم فإنهم عبادك . وإن تغفر الم فإنك أنت العزيز الحكيم }
فلا يقول فإنك أنت الغفور الرحيم تأدباً، ويذكر ألم العذاب قبل المغفرة، لعظم الإثم الذي وقعوا فيه، ونجد هذه الدقة القرآنية مرة أخرى في تناول القرآن للزمن، فالمستقبل يأتي ذكره على لسان الخالق على أنه ماض، فأحداث يوم القيامة ترد كلها على أنها ماض:
{ ونفخ في الصور } 99 الكهف { وانشقت السماء فهي يومئذ واهية } 16 الحاقة
والسر في ذلك أن كل الأحداث حاضرها ومستقبلها قد حدثت في علم الله وليس عند الله زمن يحجب عنه المستقبل، فهو سبحانه فوق الزمان والمكان، ولذا نقرأ العبارة القرآنية أحياناً فنجد أنها تتحدث عن زمانين مختلفين، وتبدو
في ظاهرها متناقضة مثل:
{ أتى أمر الله فلا تستعجلوه } 1 النحل
فالأمر قد أتى وحدث في الماضي، لكن الله يخاطب الناس بألا يستعجلوه كما لو كان مستقبلاً لم يحدث بعد، والسر كما شرحنا أنه حدث في علم الله، لكنه لم يحدث بعد في علم الناس، ولا تناقض، وإنما دقة وإحكام، وخفاء واستسرار، وصدق في المعاني العميقة.
هذه بعض الأمثلة للدقة البالغة والنحت المحكم في بناء العبارة القرآنية وفي اختيار الألفاظ واستخدام الحروف لا زيادة ولا نقص، ولا تقديم ولا تأخير، إلا بحساب وميزان، ولا نعرف لذلك مثيلاً في تأليف أو كتاب مؤلف، ولا نجده إلا في القرآن. أما لمحات العلم في القرآن وعجائب الآيات الكونية التي أتت بالأسرار والخفايا التي لم تكتشف إلا في عصرنا، والتي لم يعرفها محمد ولا عصره فهي موضوع آخر يطول، وله جلسة أخرى.